تاريخ سور الازبكيه القديم بالعتبة
"سور الأزبكية".. جامعة الفقراء تواجه الفناء
لدى اجتيازك ميدان العتبة بوسط القاهرة وقبل وصولك إلى محطة مترو الأنفاق، ثمة مكان على يمينك ظل بغية المثقفين والباحثين عن المعرفة على مدى أكثر من نصف قرن، إنه سوق الكتب المعروف باسم "سور الأزبكية"، هذا المكان الذي بدأ كسوق للكتب القديمة والتراثية أضحى مع مرور الوقت واحدًا من أهم المعارض المفتوحة لبيع الكتب في مصر.
السور بدوره نال أهمية خاصة لدى مثقفي مصر والعالم العربي، حتى إن الأديب "سليمان فياض" في برنامجه الإذاعي "من سور الأزبكية" قبل 20 عاما، أطلق عليه "جامعة الفقراء"، حيث يجد الراغبون في القراءة والعلم من أبناء الطبقة الفقيرة ضالتهم بأسعار زهيدة.
لكن المكان التاريخي يواجه الآن الفناء المحقق، فزحف الباعة المتجولون ببضائعهم من أحذية وحقائب وملابس وغيرها أمام السور، وشكلوا ما يمثل حائطًا بشريًّا من الضجيج والضوضاء تجعل الوصول إليه أو معرفته أمرًا غاية في الصعوبة، هذا بخلاف مشاكل أصحاب أكشاك الكتب أنفسهم؛ حيث يوجد في سور الأزبكية حوالي 180مكتبة تعاني خدمات متردية.
بؤرة إشعاع
وبالعودة للتاريخ نجد أن عمر منطقة الأزبكية يعود إلى أكثر من مائة عام؛ حيث كانت بركة قديمة مساحتها حوالي 60 فدانًا ثم ردمت سنة 1864، وكلف الخديوي إسماعيل المهندس الفرنسي "ديشان" مسئول بساتين باريس بإنشاء حديقة مساحتها 20 فدانا.
وبالفعل أنشئت الحديقة وزودت بحوالي 2500 مصباح غاز، وأقيم بها مسرح غنى فيه كبار المطربين من أمثال: السيدة أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وغيرهم كثير.
ظلت حديقة الأزبكية مع ما مر عليها من تغيرات تشتهر بسورها الحديدي الأسود إلى أن تم هدم السور مع بداية ثورة يوليو 1952، فتحولت الحديقة إلى مكان يدخله عامة الشعب وتم إقامة سور حجري مكان السور الحديدي الذي تحول إلى مكتبات ثقافية تحولت بمرور الوقت إلى بؤر إشعاع للفكر والثقافة، وشيئًا فشيئًا تحول المكان إلى معرض دائم ومفتوح للكتب القديمة.
الوضع الآن أصبح صعبًا؛ حيث تم نقل مكتبات السور إلى أكشاك تقبع في الجزء الخلفي من الحديقة التاريخية، وقبل أن تصل إلى هذه الأكشاك لا بد أن تمر أولاً عبر المئات من الباعة الجائلين الذي يفترشون بضاعتهم في كل مكان وبالكاد تستطيع السير، فهذا بائع للملابس وآخر للحقائب وهؤلاء يبيعون الأحذية، وآخر يعرض بضاعته من الفن الرخيص، أسطوانات الأغنيات الشعبية الرديئة التي تخترق الفضاء بمكبرات الصوت.
لا يعرف أحد ما علاقة كل ذلك بذخائر الكتب النادرة المدفونة في أكشاك بسيطة في آخر الحديقة بلا مرافق ولا اهتمام بقيمة هذه الكنوز المعرفية.
الغريب في الأمر هو أن هذه الأكشاك تتبع محافظة القاهرة مثلها مثل محلات الملابس والأحذية ومطاعم الفول والطعمية ولا علاقة لوزارة الثقافة المصرية بها.
وعن تاريخ سور الأزبكية : "بدأ السوق بمجموعة من باعة الكتب القديمة حيث كانوا يقومون بشرائها من (درب الجماميز) ومكتبات (دار السعادة)، (والآداب) وغيرها وكانوا في البداية يقومون بشراء الكتب صغيرة الحجم ويقومون ببيعها على مقاهي المثقفين (مقهى ريش وزهرة البستان)، أما في ساعة القيلولة وحين تغلق المقاهي أبوابها فكان هؤلاء الباعة يلجأؤن إلى ميدان الأوبرا للاستراحة في ظل الأشجار التي كانت تملأ الميدان آنذاك وأصبح شارع (حمدي سيف النصر) الذي يفصل بين حديقة الأزبكية والأوبرا الملكية مكانا لعرض بضاعتهم من الكتب تجذب المارة فيتوقف بعضهم لشرائها".
"مع الوقت استقر الباعة في المكان، وعلى الرغم من غرابة البداية فإن السور أخذ في التطور، وعلى الرغم من ملاحقة السلطات لهم لقربهم من الأوبرا الملكية -لدرجة أنهم رشُّوهم بخراطيم سيارات الإطفاء- فإن الباعة تمسكوا بمكانهم إلى أن وافق رئيس الوزراء (مصطفى النحاس) على بقاء السور، وتم الترخيص للباعة".
: "استمر الوضع إلى أن قامت ثورة 1952 وقام الرئيس جمال عبد الناصر بإنشاء أكشاك ومكتبات لهؤلاء الباعة، إلى أن جاء كوبري الأزهر أو "الكوبري المشئوم" لأنه أدى إلى نقلنا نحن باعة الكتب إلى شارع بين الجناين "26 يوليو حاليا".
بعد ذلك جاءت المرحلة الثانية من مترو الأنفاق ونقل الباعة مرة ثانية إلى مكان مكتظ بالباعة الجوالين الذين لا علاقة لهم بالكتب وذلك بالقرب من مستشفى الحسين في منطقة الأزهر، واستمر الحال على هذا النحو لست سنوات إلى أن تم إعادتهم مرة أخرى إلى منطقة الأزبكية، ولكنها كانت عودة رافقتها مشاكل منها إغلاق الباب الخلفي للسور، وافتراش الباعة الجائلين للمدخل الأمامي.
ومع كل ذلك هم الآن مهددون بالنقل مرة أخرى بسبب البدء في تنفيذ المرحلة الجديدة من مترو الأنفاق، ولسان حال أصحاب الأكشاك: "يا رب لا تخرجنا من منطقة الأزبكية".
لقطات ارشيفية من سور الازبكيه
السور القديم محطة مترو العتبه
الاكشاك الحديد بالابواب الصاج والتند